وكالة أنباء الحوزة - ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان "ربيع القرآن" بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم حيث سوف يُنشر في كلّ يومٍ من أيّام الشهر الفضيل درسٌ من هذه الدروس على الموقع الرّسمي وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
الأنفال ﴿٤٦﴾
المراد من وحدة العالم الإسلامي
إننا کثيراً ما نذکر اسم الوحدة الإسلامية، ونتحدث کلنا عن الوحدة الإسلامية والأخوة الإسلامية. وعلى المستوى العملي يشعر جماعة من الشخصيات البارزة في العالم الإسلامي بالأخوة بشکل حقيقي - وروح الأخوة تلوح الآن في هذا الاجتماع - إننا جميعاً نعتبر بعضنا من بعض، ولا نرى فواصل بيننا. هذه حقيقة. لکننا لا نمثل ولا نلخّص واقع العالم الإسلامي على الصعيد السياسي وعلى صعيد الحکومات بين التكتلات الشعبية بالمعنى الحقيقي للکلمة. الأعداء ينشرون بذور الاختلافات بين الأمة الإسلامية، ومن الأرضيات المساعدة على نمو هذه العصبيات، عدم التطلّع إلى الآفاق البعيدة. (...)
مرادنا من الوحدة الإسلامية ليس توحيد العقائد والمذاهب الإسلامية. ساحة تضارب المذاهب والعقائد الإسلامية والعقائد الکلامية والفقهية - و لکل فرقة عقائدها وسيکون لها في المستقبل أيضاً عقائدها - ساحة علمية ومساحة للبحث الفقهي والکلامي، ويمکن لاختلاف العقائد الفقهية والکلامية أن لا يترك أي تأثير على واقع الحياة والساحات السياسية. ما نقصده من وحدة العالم الإسلامي هو عدم التنازع: ”ولاتنازعوا فتفشلوا“.(۱)
يقول القرآن الکريم: ”واعتصموا بحبل اللَّه جمیعاً ولاتفرّقوا“. (۲) الاعتصام بحبل الله واجب على کل مسلم، لکن القرآن الکريم لا يکتفي بأمرنا بالاعتصام بحبل الله، إنما يقول اعتصموا بحبل الله مجتمعين متراصّين «جميعاً». اعتصموا بحبل الله کلکم سوية. وهذا الاجتماع وهذا الاتحاد واجب آخر. وعليه، فضلاً عن أن المسلم يجب أن يعتصم بحبل الله، يجب عليه أن يعتصم به مع سائر المسلمين وإلى جانبهم. علينا أن نعرف هذا الاعتصام بصورة صحيحة ونمارسه ونقوم به. تقول الآية القرآنية الشريفة: «فمن یکفر بالطاغوت ویؤمن باللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقی». (۳) هذا يفسّر لنا الاعتصام بحبل الله. کيف يتمّ التمسّك بحبل الله؟ بالإيمان بالله والکفر بالطاغوت. (٤)
أهميّة الاقتتال بين الشيعة والسنّة بالنسبة لأعداء الإسلام
قد يخال البعض أن بث الخلافات لصالح مذهبهم، لكنهم على خطأ. كل شخص مهما كان مذهبه يحترم معتقداته وقيمه وهذا من حقه. بيد أن هذا الاحترام ينبغي أن لا يترافق مع إهانة قيم جماعة أخرى يختلف معهم في بعض العقائد. نحن جميعاً نؤمن ونعمل بإسلام واحد، وكعبة واحدة، ورسول واحد، وصلاة واحدة، وحج واحد، وجهاد واحد، وشريعة واحدة. مواطن الاختلاف أقل بكثير من مواطن الوحدة والاتفاق. (...)
الاقتتال بين الشيعة والسنة يحوز أهميّة كبيرة بالنسبة لأعداء الإسلام. الاختلاف والتفرقة بين الأمة الإسلامية يحطّم معنوياتكم، وحيويتكم، واقتداركم، وشموخكم، وعظمة ائتلافكم الوطني وكما قال القرآن: ”وتذهب ريحكم“.
إنني على علمٍ بما يجري اليوم في أنحاء مختلفة من العالم. نفس الأيادي الاستعمارية التي حاولت زرع الخلافات بين الشيعة والسنة تحاول اليوم أيضاً إشاعة الأحقاد والاقتتال والاختلاف بين الإخوة من كلا الطائفتين. (٥)
ما حدث في قضية غزة - في حرب الـ ٢٢ يوماً التي وقعت قبل أشهر - حيث عملت الجمهورية الإسلامية بكافة مستوياتها من القيادة ورئاسة الجمهورية والمسؤولين والمدراء والمشاركات الشعبيّة والتظاهرات والأموال والمساعدات والحرس الثوري وغير ذلك. عمل الجميع لخدمة الإخوة الفلسطينيين المظلومين المسلمين. وفي ذروة هذا الوضع شاهدنا فجأة أن فيروساً ينتشر ويتكاثر! يذهبون دوماً عند بعض العلماء والأفاضل والشخصيات البارزة ويقولون لهم: من هؤلاء الذين تساعدونهم؟ أهالي غزة من النواصب! والنواصب هم أعداء أهل البيت، وصدّق البعض ذلك! لاحظنا وجود رسائل وردود تقول إن هؤلاء نواصب. قلنا: العياذ بالله، لعنة الله على الشيطان الرجيم الخبيث. في غزة هناك مسجد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومسجد الإمام الحسين، كيف يمكن أن يكونوا نواصب؟ نعم، هم سنة لكنهم ليسوا نواصب. هكذا تحدثوا وعملوا وبادروا. وهناك الاتجاه المقابل أيضاً: يجدون خطيباً جاهلاً غافلاً أو مغرضاً يُسيء لمقدسات أهل السنة على المنبر، فيسجلون كلامه على شريط أو قرص مضغوط ويوزعونه هنا وهناك ويقولون: أنظروا، هؤلاء هم الشيعة. يشوّهون هذا عند ذاك وذاك عند هذا. فما معنى هذه المساعي؟ ما معنى » و تذهب ريحكم «؟ هذا معناها بالتالي. حينما يشيع الخلاف و التفرقة وسوء الظن بالبعض، وحينما نعتبر بعضنا خونة فمن الطبيعي أننا لن نتعاون. وحتى لو تعاونّا فلن نكون ودودين ومحبّين لبعضنا. وهذا ما يريده الأعداء. على علماء الشيعة وعلى علماء السنة أن يفهموا هذا ويدركوه. (٦)
الهوامش:
1) سورة الأنفال؛ الآية ٤٦
2) سورة آل عمران؛ الآية ١٠٣
3) سورة البقرة؛ الآية ٢٥٦
4) كلمته في لقاء مع المشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة ٢١/٨/٢٠٠٦
5) كلمته في لقاء مع أهالي مدينة زاهدان ٢١/٢/٢٠٠٣
6) كلمته في لقاء مع علماء الدين والطلاب من الشيعة والسنّة في كردستان ١٣/٥/٢٠٠٩